سنتان انقضتا من عمر الحكومة المحلية في محافظة نينوى دون ان تنتهي حالة الانقسام التي حصلت عقب انتخابات مجالس المحافظات في بداية عام 2009.
يومها حصلت قائمتا "الحدباء الوطنية" العربية التي يتزعمها المحافظ الحالي أثيل النجيفي، و"نينوى المتآخية" الكردية على أعلى الاصوات، لكن الطرفين لم يتوصلا إلى اتفاق على توزيع المناصب في مجلس المحافظة، وخرجت 16 وحدة ادارية كردية في نينوى ما بين قضاء وناحية، تضامناًَ مع نوابها الأكراد الذين قاطعوا المجلس.
ومنذ ذلك الوقت تتأرجح المفاوضات بين الأكراد والعرب بين الشد والجذب، رغم تدخل اطراف عدة لردم الهوة بينهما، أبرزها حكومة اقليم كردستان المجاورة اقليمياً لمحافظة نينوى.
في مقابلة مع "نقاش" كشف محافظ نينوى أثيل عبد العزيز النجيفي حصيلة نتائج لقاءاته مع القيادات الكردية، مبيناً أنه يفضّل شخصيا التفاهم مع القيادات الكردية في اقليم كردستان اكثر مما هو الحال مع القيادات الكردية في محافظة نينوى.
نقاش: عدد من اللقاءات جمعتكم شخصياً بقيادات في اقليم كردستان مؤخراً، هل أثمرت عن نتائج من شأنها انهاء الازمة السياسية في محافظة نينوى؟
النجيفي: لقد جمعتنا لقاءات جيدة ومثمرة في اربيل مع عدد من القيادات بينها محافظ اربيل ورئيس وكالة حماية أمن اقليم كردستان، ومع هذا الاخير تحديداً تلمست ان هناك رؤية واضحة لدى القادة الاكراد بان التفاوض حول المشاكل العالقة يجب أن يصل الى نتيجة نخرج فيها كطرفين رابحين، ولا بد ان نعمل سوية من أجل اقناع شعوبنا بتقبل ما سنتوصل اليه من نتائج.
نقاش: ما هي القضايا أو الملفات التي تم التركيز عليها في هذه اللقاءات؟
النجيفي: تطرقنا بشكل خاص الى الجانب الاقتصادي، وفي الحقيقة لدينا الرغبة في تشجيع الاستثمار، والاستفادة من تجربة اقليم كردستان في ذلك والتقدم الاقتصادي الذي تحقق هناك، ونقل هذه التجربة أو جزء منها الى محافظة نينوى، لأننا نحتاج الى أن يكون هناك تعاون اقتصادي ما بين محافظة نينوى واقليم كردستان.
ولا بد من الاشارة الى أنه عندما تتم هذه اللقاءات خارج إطار القيادات السياسية الكردية الموجودة في محافظة نينوى، أي تنتقل إلى القيادات الأعلى في الإقليم، فإنها تتسم بهدوء أكثر وفتح مجالات الحوار والتفاهم بشكل أوسع مما هي ميدانياً داخل المحافظة.
على سبيل المثال في زيارة سابقة إلى اربيل، وجدت أن محافظها نوزاد هادي، الذي أكن له كل الاحترام والتقدير، كان ودوداً جدا فحمل اللقاء طابعاً اخوياً، اختلف عن اللقاءات التي تجري مع بعض القادة الأكراد المحليين في نينوى، والتي نشعر فيها بوجود توترات ونوع من التحدي للطرف المقابل.
من جهة أخرى أنا اهنئهم على ما استطاعوا ان يفعلوه خلال هذه الفترة من تطوير كبير، والتنافس بين نينوى وبين أربيل يجب ان يتحول إلى أيهما ستكون العاصمة الاقتصادية للشمال، ونينوى مؤهلة كما كانت في السابق لأن تكون هي المركز الاقتصادي لموقعها الجغرافي، وما تتوفر عليه من امكانات بشرية ومادية كبيرة جدا.
زيارتي الى أربيل خلقت لدينا الحافز للمنافسة حول نوعية الخدمات المقدمة والمشاريع المنفذة، لكن ينبغي قبل ذلك أن نهيء الكثير من المستلزمات، وهذا ما نحاول التركيز عليه في الوقت الحالي.
نقاش: ماذا تقصد باشارتك إلى ضرورة اقناع الشارع في محافظة نينوى بضرورة تقبل المرحلة المقبلة، هل تعني أنك تواجه معارضة للقاءاتك مع قياديين في اقليم كردستان؟
النجيفي: نعم هناك من اظهر اعتراضه على زيارات قمت بها الى محافظتي اربيل ودهوك في اقليم كردستان ولقائي بمحافظيها وعدد من المسؤولين هناك، لكن الغالبية العظمى من المواطنين في نينوى يريدون السلام، وان تكون هناك مرحلة جديدة من العلاقات بين الطرفين، مبنية على الاخوة والاحترام.
نقاش: البعض يتحدث عن وجود خلافات داخلية في قائمة الحدباء التي تتزعمها فيما يتعلق بالمفاوضات مع إقليم كردستان.
النجيفي: لا يوجد خلاف حول المبدأ، وهو أن تنعم نينوى بوضع أمني وسياسي مستقرين، لكن هناك بعض الخلافات البسيطة حول أمور أخرى.. فهناك من يقول اننا يجب ان نقدم تنازلات أكبر (أمام الاكراد) لكسب الثقة، والبعض يرفض ذلك كما ان هناك خلافا حول نوعية القوات العسكرية التي ينبغي تواجدها داخل محافظة نينوى، ونحن نتساءل عن الضمانات التي ينبغي توفرها قبل اي اتفاق نهائي مع الاكراد، وهل هي مقنعة لنا ام غير ذلك.
نقاش: هل لمستم تغيرا في السلوك الكردي بعد الانتخابات البرلمانية الماضية؟
النجيفي: قبل الانتخابات النيابية كان هناك رهان من قبل كثير من الأطراف السياسية بما فيهم القيادات في التحالف الكردستاني على أن قائمة الحدباء ستنهار في الانتخابات النيابية، وبالتالي لن يكون هناك حاجة إلى الاتفاق معها، لأنها قوة طارئة وليست قوة حقيقية ناشئة ومترسخة في محافظة نينوى، لذلك كان التركيز في تلك الفترة على إفشال دور المحافظة، وكنا نرى الحملات الإعلامية التي تحدث وتصور للرأي العام بأن الحدباء فشلت ولم تقدم شيئا، وهذه هي الخطة التي كانت قد وضعت لإفشالها وعدم إيصالها إلى تمثيل الشعب في الانتخابات النيابية.
بعد الانتخابات تغير الوضع، أصبحت جميع الأطراف تشعر انها امام شريك حقيقي للسلطة وقوة متنامية أثبتت نفسها رغم ضعف إمكاناتها واختلافها مع الكثير من الجهات، وبالتالي أصبح عليهم أن يتقبلوها وهذا اعطى انعكاسين، ففي كردستان تقبلوا الوضع وبدأوا بمفاوضات حقيقية وجدية رغبة في الوصول إلى حل، وفي مناطق اخرى من العراق كان التقبل عكسيا لشعورهم أنهم يمثلون قطبا آخر.
لذلك نقول أن المعادلة قد تغيرت، ففي الإقليم يعلمون أن محافظة نينوى لها مساحة واسعة، وفي مناطق أخرى بدأوا يشعرون بان هذه المحافظة لها قوة وبالتالي ستصبح قطباً متنامياً يهدد مراكزهم، خصوصاً في تركيبة التحالفات.
لذلك نرى أن طريقة الصراع بدأت تتغير وبالنتيجة النهائية سنجد أن هناك أقطاباً ثلاثة رئيسية ومحافظة نينوى يجب أن تكون أحد هذه الأقطاب، ويجب ان تلعب دوراً في معادلة التوازن العراقي.
ولكن الصراع بين هذه الأقطاب يجب أن يبقى سياسيا بالاعتماد على تحالفات، وسيبقى هناك صراع لاختلاف الأجندات، ولكن من لديه عمق وخبرة سياسية يستطيع ان يتقبل المقابل لأنه يعلم انه لا يستطيع كسره وإنهاءه، وهذا يمكن ان يحسم كله بالانتخابات.
نقاش: هناك الكثير من التساؤلات حول وضع نينوى الاقتصادي، وخصوصاً فيما يتعلق بالاستثمار. أين تجدون أنفسكم اليوم؟
النجيفي: هناك بعض المشاريع التي انجزت ضمن مشاريع تنمية الاقاليم لعامي 2009 و2010، وقسم من المشاريع بدأت تتكامل. ونحن نرى بأن هناك تغيير ايجابي مضطرد، فعندما نرجع إلى الوراء سنة او اثنتين نلمس هذا التغيير بشكل واضح وجلي، ولكن إن قارنت البارحة باليوم من المؤكد انك لن تلمس تغيراً كبيراً.
بالنسبة الى الاستثمار، فلا شك انه مشروع وطني كبير، لا يمكن أن يبنى إلا بتعزيز الثقة والشراكة والعلاقات مع دول العالم وهذا ما نسعى اليه من خلال زياراتنا الى بعض الدول العربية أو الاجنبية، ونحن عندما نريد ان نحقق تقدما على صعيد الاستثمار في نينوى نصطدم بكثير من التعليمات والقوانين المتداولة في دوائر الدولة، وبالتالي فان هذا الامر لا ينجز بين ليلة وضحاها، ويحتاج الى الكثير من الوقت والتخطيط.
نقاش: من يمسك بالملف الأمني في نينوى، وما هي حقيقة وجود خلافات بين الحكومة المحلية والاجهزة الامنية؟
النجيفي: الملف الأمني يدار بالكامل من قبل الأجهزة الأمنية، ولا يسمح لنا أبدا كإدارة محلية بالتدخل فيه، وهذا هو محور الخلاف.
وقد طالبنا مراراً بضرورة ان يكون هناك تنسيق بيننا وبين الأجهزة الأمنية حول الملف الأمني، لكن هذا لم يحدث لغاية الآن.
ونعتقد بان ذلك ينعكس او يؤثر على الوضع الامني العام، لأن الأمن لا يمكن أن يفهم كقوة عسكرية، فهو مرتبط بالسياسة ومرتبط بالاقتصاد وبأمور كثيرة اخرى، وبالتالي نرى بان على الأجهزة الأمنية أن تسعى إلى التنسيق معنا لا إلى التقاطع.
في نفس الوقت نلاحظ أن هناك تدخلا من بعض الأجهزة الأمنية في بعض الأمور الإدارية وهذا أيضا يربك العمل ويخالف القانون، ونحن تقدمنا بشكاوى قانونية الى الحكومة العراقية المركزية، ضد بعض القادة الأمنيين لتدخلهم في أعمال الإدارة.
الجمعة أغسطس 05, 2011 8:53 pm
